نحن والاستعجال على التدول(نماذج من التاريخ) بقلم العميد الشيخ سيدي محمد ولد معي

كتب الشيخ سيدي محمد ولدمعي/دكار /20/01 /2019

نحن والاستعجال على التدول(نماذج من التاريخ)

من يتأمل في تاريخ هذه الأرض وجدل الشمال والجنوب والسلطة و الإمارة والجهاد والحروب الأهلية، لا محالة سيصطدم بلغز محير لاشك أنه يستدعي الدهشة والتأمل فمع نهاية كل مسار تجد نهايات متشابهة إلى حد التطابق وهذا شيء مخيف ومربك ومقلق …
كانت بدايات التدول الأولى مع المرابطين فهاجرت الدولة إلى الشمال وراح المؤسس ضحية أول انقلاب أبيض عرفه تاريخ هذه المنطقة،وكان العقل المخطط لهذا الأنقلاب
هو زينب بنت إسحاق النفراوية المعروفة بزوجة الملوك،طلقها الأول أبوبكر بن عامر واختار الجهاد في ارضنا وتزوجها يوسف واختار بناء الدولة في المغرب …!!
للأسف لايسعفنا التاريخ بكل التفاصيل المتعلقة بنهاية أبي بكر بن عامر ،الجغرافيا وحدها تحدثنا عن المثوى الأخير لهذا المجاهد وهو “مكسم بن عامر” وفي هذه الحالة تفرض الجغرافيا منطقها على التاريخ فتتحدث الروايات ذات السند المتصل عن إمارة موريتانية كانت وريثة حكم ابن عامر وهي أمارة الانباط ( ادوعيش،)وأن أمراء هذه الأسرة خرجوا من صلب يحي بن عمر…هناك إشارات أخرى قوية تدل على هيمنة هذه الإمارة على مناطق شاسعة فكل تسميات سيلبابي وبوكى تعود إلى أمراء الانباط…
بعدهذه المعطيات الشحيحة عن امتدادات الدولة المرابطية
سنقوم بعملية قفز في المجهول وندخل مرحلة الحقبة المظلمة،ولن نجد إلا إشارات عابرة مثل رسالة اللمتوني إلى السيوطي وهي في مجملها تشير إلى حالة اجتماعية غير مستقرة،هذا إن لم تكن تتحدث في معظمها عن هزات اجتماعية وسياسية ودينية معبر عنها بنوازل فقهية…ماهو الثابت في هذه المرحلة وما هو المتغير فيها؟ كيف كانت طبيعة الهجرات المتوالية؟ومن أين؟ من الاندلس؟من حوض النهر؟ من الغرب الإسلامي؟
لانعرف… وكلما نعرفه إنه قد كتب على هذه الصحراء أن تكون رئة تتنفس منها دول الاستبداد والظلم..!!!

هذه الفاصلة التاريخية الموحشة سنبدأ بعدها برصد تحولات ومنها الهجرات العربية المتلاحقة وتأثيراتها على الساكنة المحلية،هناك متغيرات جديدة وإضافات نوعية حملت هي الأخرى معها بذور الشوق للسلطة والهيمنة، ولن تتضح لنا رؤية التفاصيل إلا من خلال معارك عنيفة مثل حصار إمارة ادوعيش من طرف تحالف القوة العربية الجديدة.
وفي الجانب الغربي ظهرت حركة التوبة ولم تعط الوقت الكفيل لبناء الدولة، كانت حركة دعوية في بداية الأمر ثم تحولت بسرعة إلى جيش من الفاتحين تتجه عيونه جنوبا،عبروا النهر وغيروا آلية الحكم في “اسنغان” حيث نصبوا أمراء جدد مكان الملوك الذين كانت فرنسا تمثل ظهيرهم القوي، تجاوز الإمام ناصر الدين كل الخطوط الحمراء للغربيين عموما إلى الخط الأحمر الأخير وهو توقيف تجارة الرقيق…وهذه محمدة حضارية ينبغي أن تكون محل إجماع ومحل تثمين وطني…خاصة لمن يكتبون تاريخنا…
ويتحرك التاريخ بسرعة وكأنه قد كتب على هذه الأرض أن يكون تاريخها مكتوبا بالزوابع السريعة،فقد تحولت بوصلة محاولة التدول هذه إلى جهة أخرى على شكل حركة ارتدادية إلى الوراء وإلى حرب داخلية،و بغض النظر عن عناوين هذه الحرب و دوافعها وأسبابها الحقيقية فهي حرب أهلية بكل ما تحمل الكلمة من معنى…
محاولات التدول الذاتي الأخرى الجامعة لن تظهر إلا مع دولة الاستقلال لكن المفارقة أن هذه الدولة والتي عرفت بداياتها تأسيسا قويا انتهت هي الأخرى عمليا في الشمال بعد خمسة عشر سنة من التاسيس ،وكانت النهاية بسبب حرب سموها حرب الوحد الوطنية وسماها الصحراويون حرب التحرير والاستقلال،ومهما اختلفت العناوين فهي الاخرى في النهاية حرب أهلية …
أخشى أن تكون خيوط جين الاستعجال الوافدة من التاريخ ، مازلت حتى اليوم الممسك الواقعي بمسلكياتنا في كل شيء ،في السلطة،في الثراء،في المواقف،في فهم النصوص الدينية… وبعبارة واحدة بمشمولات حياتنا…

والسؤال المطروح في كل هذه المراحل لماذا هذا الاستعجال المرافق للدولة عندنا؟ وماهي الدوافع الحقيقية لهذا الاستصحاب التاريخي مع الاستعجال؟

التعليقات مغلقة.

M .. * جميع الحقوق محفوظة لـ موقع أخبار الوطن 0

%d مدونون معجبون بهذه: